مصطفى حيران
مصطفى حيران (الصورة) واحد من الصحافيين المغاربة المخضرمين الذين لا يعرفون للمداهنة طريقا في كتاباتهم ، في هذا الحوار الذي أجراه معه الزميل عبد الله ساورة ، يكشف مصطفى حيران سر اهتمامه بالكتابة عن الحسن الثاني ، وعن لجوئه في الكاتبة إلى الاستعانة بمراجع أجنبية تكن العداء للنظام المخزني ، عن الاختصاص الصحفي وعن "الحاج بلغيث" وأشياء أخرى... تطالعونها في هذا الحوار.
هل و جدت ضالتك الصحفية في عهد الحسن الثاني و تاريخه؟
لنقل أن الأمر نوع من البحث عن الأشياء التي أسست لمغرب الأمس اليوم، فلو تأملنا الكثير من القرارات التي أصدرها ونفذها الحسن الثاني، غداة توليه الحكم في شهر مارس من سنة 1961، لوجدنا أنها كانت خطيرة جدا.. بالشكل الذي رهن المغرب لعقود طويلة، وما زال الأمر مستمرا، هل أمنحك أمثلة؟
نعم تفضل..
لنأخذ على سبيل المثال لا الحصر، أول دستور عرضه الحسن الثاني على الاستفتاء في 5 نونبر من سنة 1962، ففي ذلك النص " المُؤسس " للمشهد السياسي - النص الدستوري هو أسمى قانون منظم للحياة السياسية - عمد الحسن الثاني إلى جعل شخصه مقدسا وذلك بإضفائه لقب " أمير المؤمنين" على منصبه السياسي، ليصبح رسميا، كما أن الدين أصبح غير قابل للنقاش، وبذلك وضع جدارا سميكا أمام أية خطوة تحديثية حقيقية، كما أن سلطات البرلمان
تم تحجيمها، ليكون أول برلمان " منتخب " سنة 1963 مجرد غرفة تسجيل وكذلك البرلمانات التي تلته وما زال الأمر مستمرا لحد الآن، لقد أصبحت الملكية مع النص الدستوري الذي وظفه الحسن الثاني، بمساعدة موريس دوفيرجي، هي أساس كل شيء، في البلاد، حيث أن الفصل 35 مثلا يمنح الحق للملك بتقرير حالة الاستثناء وحل البرلمان.
هل تعتقد أن الحسن الثاني كانت لديه دوافع ماكرة؟
نعت المكر ليس دقيقا.. كان الأمر متعلقا بالأحرى برجل توفرت لديه خياراته، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما هو أمر كل الساسة الذين يجدون أنفسهم في منعطفات تاريخية مصيرية، مُطالبون بلعب أدوار سياسية حاسمة، ويمكن القول أن الحسن الثاني لعب الدور بشكل سيء جدا، فهو سدَّ كل سبل تحديث الدولة والمجتمع، من خلال إصراره على نمط الحكم الفردي، و ليس الديكتاتوري فقط، بل الأوتوقراطي أيضا، وهو ما سأتناوله بكثير من الدقة والتفصيل، في مقالات قادمة عن بعض ملامح تجربة حكم الحسن الثاني.
ـ هل كان أمام خيار صعب؟
لقد كان أمام خيار صعب، من منظور تشبثه الكبير، وشبه المَرَضِي، بجعل السلطة الملكية المطلقة، هي العمود الفقري لمغرب ما بعد الاستقلال، ويجب ألا ننسى أنه من الناحية السياسية، كان وضع الملكية غير مستقر، وذلك أمام طبقة سياسية ورثت مشروعية مقاومة الاستعمار،ومن التفاصيل في هذا الشأن، أن محمد الخامس كان قد وقَّع على رسالة التنازل عن العرش، حينما كان في منفاه، مقابل امتيازات مادية له، ولأبنائه في منفاهم الاختياري بفرنسا، ونص الاستقالة عن العرش، متوفر ومنشور في أحد أعداد مجلة " وجهة نظر " المغربية، وهذا ما لم يكن ليغرب عن بال صقور حزب الاستقلال، أمثال المهدي بنبركة والفقيه البصري وغيرهما، وبالتالي فإنه من الخيارات التي كانت على طاولة المفاوضات في إيكس ليبان: تخلي محمد الخامس عن العمل السياسي بعد عودته من المنفى، وهو ما لم يكن ليرضي مصالح الملكية، الشيء الذي جعل هذه الأخيرة، تخوض صراعات مريرة ودامية في كثير من الأحيان مع مُعارضيها، هكذا نفهم أن المسألة كانت مسألة " أن تكون أو لا تكون " كما قال شكسبير.
ـ من بين الانتقادات التي تُوجَّه إليك، أنك تعتمد على مراجع أجنبية تكن العداء للنظام المخزني فما قولك؟
لا أحد كتب عن التاريخ الحديث للمغرب بالدقة والعلمية المطلوبين أكثر من " جورج سبيلمان " مثلا، الذي يكفي أن تقرأ كتابه " تاريخ المغرب من الحماية إلى الاستقلال " أو ما كتبته الصحافية المغربية - تجنسا - والفرنسية الأصل زكية داوود، في كتابها الأخير القيم جدا " سنوات لاماليف " هذا على سبيل المثال لا الحصر، لتنظر بعد ذلك بكثير من الازدراء، للخزعبلات التي يكتبها أشباه المؤرخين في بلادنا، بعدما يكونون قد ملئوا بطونهم من كسكس المخزن، أو رأوا أعينه الحمراء بنظراتها الشذراء.
.
إذن حاولت المزج بين الكتابة الصحفية والكتابة التأريخية في مقالاتك النقدية و التصحيحية في نفس الوقت؟
لنكن واضحين، أنا لست مؤرخا، إنني صحافي اصطدم بحكم المهنة، بكثير من المعطيات المتشابكة والمتعارضة، في خضم تسجيله لمجموعة من الآراء والأفكار، لأناس كانوا فاعلين ، أو ما زالوا كذلك، في الحياة السياسية للبلاد، وبالتالي حاجته - أي الصحافي - إلى محاولة فهم الكثير من الأمور، وفك تناقضاتها، وهذا ما جرَّني جرّا، إلى كثير من القراءات المتنوعة في تاريخ المغرب قديما وحديثا، ومن تم توفرت الكثير من المعطيات، التي تحتاج
إلى دقة في الربط والتحليل، ليتسنى تقديمها في حلة مقالة مُسترسلة - حسب التسمية التي منحها الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل لهذا الشكل من الكتابة - لينتقل بين كلماتها القارئ العادي، دون حاجة لبذل مجهود استقرائي لا يتوفر عليه.
كيف تستقبل تلك التعليقات المعارضة و المؤيدة لك في موقع هسبريس الإلكتروني؟
استقبلها بما تستحقه من اهتمام، فهي بمثابة " تيرمومتر " لقياس درجة وعي الطرف المتلقي، أي القارئ، وأعتقد أنها تعبر بوضوح عن ذهنيتنا الصدامية نحن المغاربة، وذلك بمعنى أننا نتجه رأسا، كالثيران، من خلال ردود أفعالنا، إلى التفسير الأحادي للأشياء، سلبا أو إيجابا، دون بذل مجهود ذهني ونفسي، لتقليب الأمر موضوع النظر، على كافة أوجهه الظاهرة أو الثاوية.. أعتقد أن الأمر يتعلق بواحد من سلبيات إرث الماضي الحسني – نسبة للحسن الثاني - حيث تم تغليب ثقل نوع من السياسة التعليمية، المُعلِّبة للعقول والأفئدة.
هل تؤمن بالإختصاص في العمل الصحفي؟
أشد الإيمان.. مهنة الصحافة تحتاج للتخصص، لكن ليس بمعنى أنه إذا سألت صحافيا متخصصا في السينما مثلا: مَن هو بان كي مون؟ فيجيبك ب "سنطيحة خارجة" : إنه ممثل أفلام حركة " أكشن" صيني.
لماذا لا تنشر مقالاتك في الصحف المغربية؟
لدي معرفة شخصية بكثير من الزملاء الصحفيين الذين أصبحوا مدراء جرائد، ناهيك عن بعض المسئولين في صحف حزبية، لكنني لا أريد إحراجهم بإرسال مقالاتي إليهم لأنهم لن ينشروها بكل بساطة، لأنها " خاصها فورماطاج " وهو ما أرفضه بشكل مطلق، وبالمناسبة أرفع خالص شكري وعظيم امتناني لرجل كبير حقا، وصاحب فضل عليَّ لن أنساه أبدا، إنه " الحاج بلغيث " هل عرفته؟
لا مَن هو؟
" بيل غيتس " الذي اخترع وسيلة الأنترنيت، ووفَّر لنا نحن الصحافيين والكتاب " المساخيط " الفرصة لنرفع الأصبع الأوسط، تجاه كل موظفي " الفورماطاج " المخزني المنتشرين في جرائد تجد كلمات وصور أصحابها، في الحانات والمقاهي والمراحيض، أما مقالاتنا نحن " المساخيط " فتحدب عليها أضواء الحواسيب وتزيدها إشعاعا ونظارة، أليس كذلك؟