Wednesday, March 14, 2012

يونس الميكري: فيلم 'حجاب الحب' اثار ضجة كبيرة لكن الجمهور استطاع تفهمه



أجمل هدية يحتفظ بها أكورديون من أبيه قبل خمس وخمسين سنة
2012-03-13


التقته: فاطمة عطفة: تاريخ موسيقي حافل وتجربة طويلة في استيعاب الموسيقى العربية عامة، والمغربية بشكل خاص، وكذلك دراسته الكلاسيكية في باريس، فضلا عن نشأته مع إخوته في بيت فني كبير، كل هذه العوامل أسهمت في تنمية الموهبة الفنية وتطوير شخصيته الإبداعية الرقيقة حتى صار علما موسيقيا كبيرا، ليس على مستوى المغرب وإنما في الساحة العالمية، سواء في تلحين موسيقى الأغاني أو التوزيع أو تأليف الموسيقى التصويرية في المسرح والسينما.
إنه ابن مدينة وجدة الفنان الكبير يونس الميكري الذي بدأ مسيرته الموسيقية المرموقة في المغرب وأوربا. يمتاز الفنان المبدع بأعمال كثيرة معروفة على المستوى العالمي، لعل من أهمها رائعته 'ليلي طويل' الحاصلة على جائزة 'الأسطوانة الذهبية' عام 1972، وهو في أوائل العشرينات من عمره. ومن أهم أعماله الإبداعية 'السيمفونية المغربية' لكمال كمال، و'جارات أبي موسى' لمحمد عبد الرحمان التازي، فضلا عن العديد من الأفلام السينمائية التي ألف موسيقاها التصويرية ومنها: 'حجاب الحب' لعزيز السالمي، 'ياسمين والرجال'، 'وجها لوجه' لعبد القادر لقطع، 'أركانة' لحسن غنجة، 'قصة حب' لحكيم نوري، و'لعبة الحب' لإدريس اشويكة. وكانت فرصة جميلة أن تلتقي 'القدس العربي' بهذا المبدع المغربي الكبير ليحدثنا مشكورا عن ملامح في تجربته الفنية الغنية.
ـ الفنان ميكري استوعب الموسيقى التراثية القديمة منذ السبعينات وأدخل عليها تطورا من الموسيقى الحديثة، كيف جاءت الفكرة وكيف كان تقبل الجمهور لهذا التغيير؟
* 'فعلا في تلك الفترة كانت الموسيقى المغربية في مستوى التراث المغربي الأصيل، بحكم اننا كنا شبانا صغارا وكنا نسمع الموسيقى العالمية في تلك الفترة من مختلف البلدان، وجاءت فكرة التغيير من واقع أن الإنسان عنده موسيقى زينة وجميلة، ليش ما نحدثها بإطار عالمي؟ في ذلك الوقت كان هناك شركات كبيرة أجنبية تأخذ بعض الشبان من المغرب وتونس والجزائر، وكنا نحن من هؤلاء المحظوظين فعلا، أعطونا إمكانيات أن ندرس في باريس. وبعد الدراسة أدخلنا فعلا بعض الأغاني الحديثة على التراث، لم نكن نتوقع أن الجمهور يتقبل بعض المزج، كان الجمهور يسمع ويتقبل الموسيقى العالمية لكن لم يتخيلها باللغة العربية، وأول أسطونة خرجت للسوق أخذت بها الجائزة الذهبية، وأول ما سمعني الجمهور تقبلها وأحبها'.
ـ هل يعني ذلك أن الفنان عندما يغير ويدخل أشياء جديدة على الفن عليه أن يراعي ذوق الجمهور أم يرتقي بذوقه حتى يتقبل بدوره التغيير الذي يضفي جمالية فنية؟
* ' قضية الثقة مهمة، إذا كان الإنسان صادقا بعمله بالتأكيد يقترب من قلوب الناس، وإذا تقبل الجمهور الفنان يمكن أن يتقبل منه أي تجديد في الفن، لأن الفنون سواء الموسيقى أو الغناء أو الرسم كلها تترك أثرا جيدا عند الأجيال، وإن دخلت فيها إضافات جمالية وحديثة بالتأكيد تحدث تغييرا عند المتلقي سواء كان يمتلك ثقافة أو هو إنسان عادي، الفنان قادر أن يلعب دورا كبيرا في حياة الناس. نحن لما كبرنا على صوت فيروز، وعبد الحليم، وأم كلثوم... فعلا تعلمنا معهم بشكل كبير، فعلا الفنان ممكن يدخل قلوب الناس ويثير فيهم بالذات هذه المسائل'.
ـ المغرب فيه ولايات متعددة وغنية بتراثها الفني، هل استوعبت التراث المغربي بأجمعه، وبالنسبة للموسيقى الغربية، بماذا تأثرت أكثر بالموسيقى الإسبانية أو الفرنسية لقربك من البلدين؟
* 'الحقيقة أنا من مدينة وجدة التي تقع على الحدود المغربية الجزائرية، والموسيقى التي كبرنا عليها هي الموسيقى الغرناطية التي جاءت من الأندلس، ولكن كان هناك اللون الغرناطي وكان الأندلسي، وكان المالوف في تونس وغبرها من دول البحر الأبيض المتوسط، وهذه الموسيقى أثرت فينا لأننا كبرنا عليها. والدانا كانا يؤديان هذه الأغاني في الأفراح والأعراس، هذه الموسيقى هي التي كانت رائجة، وبحكم أننا نجاور الموسيقى العالمية، صار لدينا تجانس ما بين الموسيقى العصرية الغربية، مع الموسيقى التي جاءت من الأندلس، فعلا هكذا كان توليف الأغنية وقتها من الأخوة الميكري الذين أنا واحد منهم'.
ـ الموسيقى موهبة وعلم ومران يومي طويل، لكن ماذا عن الصوت؟ هل يحتاج الموسيقي إلى أن يكون صوته جميلا؟
* 'ضروري ليس فقط الصوت، الموسيقي قبل كل شيء هو مثل آلة الموسيقى، وكل آلة لازم تكون صافية ونقية وما يكون فيها نشاز، ومن الضروري أن يكون صوت الفنان جميلا عندما يؤدي أغنية ما، لأن الصوت الجميل عند الإنسان هو الذي يجعله يحب الموسيقى ويشعر بأشياء جميلة'.
ـ أنت درست الموسيقى الكلاسيكية، هل تتذوقها أكثر من الفن العربي الشرقي؟
* بحكم دراستي للموسيقى الكلاسيكية وإقامتي في باريس، فأنا فعلا عشت مع الكلاسيك كدراسة وحصلت فيها دراجات عالية، لو لم أدرس الموسيقى الكلاسيكية لم يكن بإمكاني أن أعمل وأدير الموسيقى التصويرية، ولم أكن لأصل إلى ملحن موسيقي، بالنسبة للموسيقى العربية طبعا عشنا مع عبد الوهاب، وعبد الحليم، وفريد الأطرش وغيرهم، وكان عندنا مكتبة موسيقية كبيرة لهؤلاء الفنانين الكبار'.
ـ بعد أن وصل الموسيقي الميكري إلى هذه المكانة التي كان يحلم بها، هل يتذكر بداياته الفنية أو أن الشهرة تأخذ الفنان بحيث يعيش عالمها؟ وما هي أهم الصفات التي يتمتع بها المبدع ليصل إلى مبتغاه؟
* 'الحقيقة لم يحدث ذلك التغيير الجذري بالنسبة لي، كنت من بداية محبتي للفن أبحث عن حاجة جميلة، وما زلت أبحث عنها مع أني نجحت بالأغنية والسينما، لكني ما زلت أعتبر نفسي في البداية، ومع كل جديد أكون خائفا من أن أخطئ، لذلك أنا في حالة بحث مستمرة عن الأشياء الجميلة والجيدة، وأنظر لنفسي كما لو أنني لم أصل لهذه المرحلة من النجاح، لكن تبقى هناك حاجات أتمنى أن أصل لها وأعملها وتبقى من بعدي وتشرف فني وتشرف أولادي وعائلتي، الطموحات دائما موجودة، وأنا أبحث دائما عن مرحلة جديدة في الموسيقى'.
ـ بالبحث الدائم عن الجميل، والتواضع في النظرة للذات الشخصية رغم الشهرة الكبيرة التي تتمتع بها، بينما نرى أن بعض النجوم يأخذهم الغرور، هل هذه الثقافة مكتسبة من المجتمع الأوربي الذي عشت معه؟
* 'أنا عشت في عائلة فنانين: جدي، وأبي، وأمي، كانوا كلهم فنانين، الفن بالنسبة لنا لم يكن من النجومية، لأننا نحب الغناء والموسيقى، حب الفن كان من أجل نفسي قبل كل شيء، الفنان سواء بالغناء أو الرسم والزخرفة يكون الاندماج مع الذات، الإنسان مع نفسه، وليس من أجل أن يقال عنه فنان كبير. والدي كان إنسانا عاديا جدا في حياته، رغم ما وصل إليه من الشهرة، كان يحب الناس كلهم ويتواصل معهم، يحب الطبيعة جدا ويستلهم أفكاره من جمالها ومن الناس، عندما يصل الإنسان للنجومية عليه أن ينظر لنفسه وكأن ما يزال يتعلم، حياة المبدع لا يناسبها الغرور والشعور بالأنا، بل البحث من أجل الآخرين قبل كل شيء'.
ـ عندما تقدم عملا جديدا، هل تخاف وتترقب ردة الفعل عند الجمهور؟
* 'الحقيقة، يحصل خوف على أن لا يكون العمل وصل للناس، ولم تصلي للثقة التي أعطاك إياها الجمهور ورضاه عنك بأن يتقبل ما تقدمين. طبعا تكون لحظة ترقب، ممكن أن يحصل خطأ في الاختيار، كما حصل قبل سنتين بفيلم 'حجاب الحب' يومها وقعت ضجة كبيرة وهرج وصداع بالنسبة لبعض المسلمين على أنه منكر، والفيلم قصة حب ما بين شاب وشابة محجبة، لكن رغم الضجة التي صارت إلا أن بعض الجمهور تقبل الموضوع وأصبح يدافع عن الفيلم، يقول صحيح الشابة محجبة لكن عندها إحساس ويمكن أن تعيش حياتها مثل غيرها، والبعض لم يرض عن العمل، أصبح الحوار جمهور مع جمهور، هناك من يدافع عن الفكرة والعكس، وقتها فعلا كنت متخوفا، أن تخطئ في الاختيار هذا هو الخوف'.
ـ أين تكون متعة الفنان الميكري عندما يقدم حفلا على المسرح أو لعمل سينمائي أو غنائي؟
* 'الإبداع يكون فوق الخشبة، لأن الناس تريد أن تلقاك بشكل زين، لكن بالنسبة للعمل السينمائي فيه إبداع لكن تهيئ نفسك له من قبل، يكون لك عليه سلطة وعندك الوقت الكافي لتراقب وتشوف، على المسرح هناك جمهور يراقب ويتفاعل معك، يعطيك قوة، هنا الإبداع الحقيقي مع الناس'.
ـ عندما تشارك في وضع موسيقى لعمل سينمائي، هذه المشاركة ماذا تضيف لقيمة الفيلم؟
* 'فعلا الاسم يلعب دوره الكبير، ولو أني أحاول أن أبذل مجهودا كبيرا وأن لا أخطئ، لكن الكمال لله'.
ـ الجديد عند الفنان يونس الميكري؟
* 'هناك وضع موسيقى لفيلم طويل للمخرج أحمد بولان، 'عودة الابن'، قصته تحكي عن زواج ما بين مغربي وأوربية، يكون عندهم ولد، بعد زواج خمس سنوات، الأم تأخذ ابنها وتعود إلى أوربا، لكن بعد خمس عشرة سنة يعود الابن إلى دياره ليعيش مع أبيه في حالة محبة وتفاهم'.
ـ سنعود مع الفنان يونس إلى عائلة الميكري، وإن كان يحتفظ بأشياء قديمة منها، وما تعني له هذه الأشياء؟
* ' إنه سؤال مهم فعلا، أول أكورديون أهداني إياه أبي كان عمري وقتها ست سنوات، ما زالت أحتفظ به وهو تحفة فنية بالنسبة لي، كذلك أمي كانت اشترت لي بيانو كان عمري 17 سنة أيضا احتفظ به، هناك لوحات كنا نرسمها وهي أكثر من 25 لوحة نحتفظ بها حتى لا تضيع، هذه الأشياء بالنسبة لي لا تقدر بثمن'.