Wednesday, July 13, 2011

Bachir skirj




يعرفه الناس باحثا ـ في السينما ـ عن «لالة حبي»، ويعرفونه مهتجسا بالبحث عن زوج امرأته، لكن الكثير من هؤلاء الناس، لايعرفونه كما هو في حياته اليومية. في السطور الموالية يتحدث البشير السكيرج عن حياته الخاصة بين دروب طنجة العالية وما فيها من متناقضات، كما يفتح قلبه للقراء بالكشف عن تفاصيل تجربتي زواجه، وانتمائه السياسي سواء داخل المغرب أو في أمريكا حيث يقضي جل وقته. في هذا الحوار الكثيرمن الأشياء عن رجل لايرى إلا ضاحكا، لكن له حالات بكاء كثيرة.

› أبدأ معك الحكاية من نقطة البداية، والبداية لن تكون غير لحظة الميلاد، متى ولدت؟ ›› ولدت فجر يوم الخميس سادس وعشرين ماي من سنة 1939، وقديما يقولون إن وقت الولادة يتحكم في مسار حياة الإنسان ويمنحها ميزات وملامح خاصة، فالذين يولدون في الليل، غالبا ما يسعون إلى تغطية رؤوسهم عندما يرغبون في النوم، و هم كذلك يسعون إلى الابتعاد عن المشاكل ويهربون من مواجهة المتاعب، أما الذين يولدون في النهار، فإنهم ينامون ورؤوسهم مكشوفة، ويمتلكون الجرأة والشجاعة لمواجهة متاعب الحياة وصعابها. أنا ولدت في الوسط، بحيث اكتسبت صفات من الليليين وأخرى من النهاريين، فجئت إلى هذه الدنيا بالشكل الذي تراني عليه الآن. ولهذا أنا فنان ، مصمم ملابس، طباخ، مؤلف، شاعر، رسام... › ماذا عن الأسرة التي ولدت ونشأت فيها؟ ›› والدي كان عالم دين ورياضيات، كانت له نظرته الخاصة للحياة، كل شيء بالنسبة إليه يحمل دلالة ومعنى، حرصه هذا على فهم العالم والمحيط من حوله، شجعني على الإقبال على الحياة بشكل إيجابي. أمي كانت كذلك امرأة عالمة، لقد قرأت علي جميع حكايات وفصول كتاب «ألف ليلة وليلة» رغم ما فيه من جنس واشتعال عاطفي، وعمري لا يتجاوز أحد عشر. كذلك في البيت الذي نشأت فيه كان الشعر حاضرا، فـ«السكيرجيين» بطبيعتهم شعراء، وذوو ميول نحو الشعر والأدب. أنا بدوري تأثرت بهذه الميولات العائلية، فبرزت في مواهبي القدرة على إبداع الخواطر الشعرية، وفي نفس الوقت الاهتجاس بالرسم والتشكيل، حيث قدمت أول معرض تشكيلي خاص بي وعمري لا يتجاوز السبع عشرة سنة، وهو المعرض الذي قال لي والدي عنه : «إنك يا ولدي تبدع من روحك وتنتزع التعابير من أعماقك...». › أنت طنجوي، ففي هذه المدينة ولدت، وفيها كبرت، لو سألتك عن الفضاءات الطنجوية التي احتوتك واحتويتها على مدار سنوات عمرك، سيما أن لك كتابا يحمل عنوان «طنجة... ياحسرة !» مثخنا بالذكريات والعواطف تجاه المدينة التي تقف حاضنة الريح الأطلسي؟ ›› طنجة حبيبتي، طنجة تسكن الروح والقلب، طنجة رائحة الليمون والنعناع و«النفحة»، طنجة الدولية، الجميلة والبهية، كلما أردت الحديث عنها، تذكرت «الحومة» الطنجوية التي نشأت فيها، وهي الحومة الموسومة بـ «بني يدر»، هذه الحومة أو الحي كانت آهلة بالعديد من الأعيان والعلماء (كان يسكن فيها القاضي والباشا، وللإشارة فباشا المدينة ساعتها كان هو المختار التمسماني والد محمد التمسماني عازف الآلة المعروف)، هذه الحومة كذلك كانت تضم حوالي خمسين حانة، مزيج من رائحتي الكحول والخمر ووظائف أخرى، هذه الحانات كانت تقضي سحابة يومها مملوءة بالزبناء من الأجانب ( فرنسيين، اسبانيين...)، هؤلاء الزبناء كانوا يمارسون جميع طقوس الجلوس بالبار والاستمتاع بملذاته الصاخبة، لكن ميزة واحدة كانت تميزهم عن باقي رواد البارات، فعندما يمر من أمام الحانة عالم دين، كان الزبناء يتوقفون عن لهوهم وصخبهم حتى يبتعد عالم الدين، ليشرعوا في مواصلة اللهو . › بالقرب من هذه الحومة يوجد الملاح اليهودي، هل كنت تزوره، هل كانت لك علاقات بيهود طنجة؟ ›› نعم، الحومة التي كنت أقطن بها، كانت غير بعيدة عن الملاح اليهودي، القريب من زنقة ألكسندر ديما الابن بطبيعة الحال، ميزة اليهود بطنجة أنهم يرفضون وصفهم بأنهم لا يعيشون إلا في الملاح... والحق أنهم كانوا يتوزعون على جميع الحومات، كانوا يقطنون بحومة السقاية الجديدة والترعة والقصبة وغيرها من الأمكنة الطنجوية، مثلما أشرت في كتاب «طنجة... يا حسرة!». كانوا يعانون من الميز العنصري ومن تبعات الحرب العالمية الثانية ، وكانت لهم ميزاتهم. في المدرسة التي كنت أدرس بها كان معي في الفصل عدد من التلاميذ اليهود الذين يحتلون اليوم مناصب عليا في عدد من الحكومات... الملاح اليهودي الطنجوي كان سيد «الملايح»، كان يمتاز بهندسته الغربية المتفردة التي لا مثيل لها بإفريقيا، كانت بناياته تشبه بنايات أمريكا الشمالية بولاية لويزيانا، وأجمل شيء كان يثيرني في هذا الحي رائحة الطبخ اليهودي المغربي الأصيل... › الطنجويون يتحدثون عن فضاءات اسمها « السوق الداخل» و «السوق د برا»، ويعتبرونها مركزا لتشكيل الذاكرة والثقافة الشعبية الطنجوية، هل لمست هذه الأشياء في ارتيادك هذه الأمكنة؟ ››« السوق الداخل» كان مدرسة كبيرة، مدرسة مفتوحة الأبواب و«مناهج التكوين» هي فضاء كان يمكن للمواطن الطنجي البسيط أن يجالس كتابا وفنانين من طينة تنيسي وليامز، بول بولز، وليام بورووز، جون جونيه ، شاعر الحمراء محمد وغيرهم.. من هذه المدرسة ـ مدرسة الحياة ـ تخرج محمد شكري ، محمد لمرابط، الطاهر بنجلون، أحمد اليعقوبي وغيرهم كثير... توجد كذلك الحوانيت المكتظة بالبضائع، والمساجد التي يرفع من على صوامعها صوت الآذان، كان هناك الجامع الكبير الذي تدرس به مختلف العلوم الدينية والآداب... بنفس الفضاء توجد أيضا الحلقة وما تعرضه من فن فرجوي مثير... السوق كان مكانا شاعريا. › ذكرت في كلامك الراحل محمد شكري، هو ابن طنجة وحامل سرها وأنت تنحدر من نفس الفضاء، هل بينكما أية علاقة؟ ›› نعم، محمد شكري تخرج من نفس المدرسة التي درست بها ـ علاوة على دراستي «العالمة»ـ أقصد مدرسة «السوق الداخل»، وهو كذلك ابن حومتي منذ الصغر كان يأتي للعب معنا ، كنا من أبناء الطبقة الميسورة، ـ في خلال مناسبة ما جاء وفد من مدينة الرباط يضم أحمد الطيب العلج، أندريه فوزان وغيرهما لاختيار ممثلين من طنجة. كان ممن شارك معنا في «الكاستينغ» محمد شكري، لكن أحمد الطب العلج طلب منه الرحيل والبحث عن حرفة أخرى غير الفن... › ماهي أول مهنة مارستها في حياتك؟ ›› أول مهنة مارستها في حياتي كانت هي الفن، فأول فيلم شاركت فيه كان مع شركة مختلطة تضم إسبانيين وإيطاليين، حيث جسدت دور شاب إسباني اسمه ألفاريس، الفيلم كان يحمل عنوان« أسياد طنجة». حينما وقفت أمام الكاميرا شعرت بالخوف، شعرت بأن التمثيل يشبه لعب الأطفال ... › أنت تنحدر من أسرة ربها عالم دين، ألم يمتنع والدك عن ممارستك للتمثيل، الذي كان الفقهاء يعتبرونه حراما شأنه في ذلك شأن العديد من الأشكال الفنية المقبلة على الحياة؟ ›› لا لم يمتنع والدي، مع العلم؟ أنه في ذلك الوقت كان من غير المقبول لابن عالم دين أن يمارس مهنة التمثيل والدي لم يعارض، بل كنت أمامه بعض التمثيليات الهزلية مثل «البخيل» لموليير وغيرها... › بعد العمل، يأتي دور الزواج وتكوين الأسرة، متى تزوجت؟ ›› تزوجت مرتين، زواجي الأول كان في عام 1963، حيث تعرفت على زوجتي ليندا أمسترونغ في الولايات المتحدة الأمريكية، بالرواق المغربي الذي كنت أشارك فيه، بعرض فلكلوري يضم قرابة ثلاثين راقص وراقصة وعازفين موسيقيين، وهو العرض الذي نلنا به الجائزة الثالثة والتي سلمها لنا الرئيس الأمريكي جونسون، زوجتي الأولى هي ابنة أخ الأمريكي أمسترونغ الذي صعد إلى القمر، كانت تنحدر من عائلة فيها مزيج من الإيرلانديين والفرنسيين، تزوجتها في أواخر عام 63 وطلقتها بعد مضي سنتين على هذا التاريخ، لينتج عن زواجنا طفلة (ابنتي سلوى). بعد ذلك تزوجت بسوزان جارميلو، التي لمست فيها معالم النبوغ، ناهيك عن الجمال الفاتن، مع سوزان أنجزت مشروع إذاعتين بأمريكا ( واحدة في ميامي وأخرى في أورلاندو)، ومعها تبنينا طفلين من رومانيا... › أين تعيش الآن؟ ›› الآن أعيش متنقلا بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين المغرب وأوروبا وخصوصا سويسرا حيث يدرس أبنائي، الذين أتعلم منهم الكثير من الأشياء. › ما علاقتك بالسياسة؟ ›› ما علاقة السياسة بي أنا، فأنا في مختلف تفاصيل حياتي الاجتماعية أسعى للاقتراب من السلام، والعيش في ظلال السلم وكنف الطمأنينة. العالم الآن مليء بالحروب والصدامات، صدامات تزداد حدتها كلما تقدمت البشرية في العمر، فهل ستكون الأجيال القادمة شاهدة على صراعات أعنف وحروب أكثر ضراوة؟ هذا بالطبع ما لا أرجوه ...! حال العرب كذلك اليوم ومعاناتهم اللامنتهية، أمور تثير في النفس غير قليل من الألم والإنفعال، العرب كانوا أهل حضارة، واليوم صاروا أذلة ممتهنين، يكسبون قوتهم وميزانياتهم بالإهانة. › هل انتميت إلى حزب سياسي معين سواء بالمغرب أو بأمريكا؟ ›› بالمغرب، حينما كنا بصدد المطالبة بالاستقلال ومجابهة الاستعمار، كنت مثل سائرالمغاربة عضوا في حزب الاستقلال، الذي لم أعمر فيه إلا مدة العام أو العامين، وفي أمريكا أنا ديموقراطي، أقف ضد الجمهوريين، وأعتقد أن أمريكا في حاجة إلى الديموقراطيين، وفي حاجة إلى الديموقراطية الحقيقية، وليست الديموقراطية المزيفة، التي تكذب بها الحكومة الحالية علي العالم، لابد من تغيير الأحوال في أمريكا، والتغيير لن يكون إلا مع الديموقراطيين...! › في بيتك أطياف من القطع الأثرية وعدد من التحف القديمة التي تملأ جنبات كل ركن من منزلك، بل إن مساعدتك أكدت أن جميع منازلك مؤثثة بهذه الكيفية، لماذا تهتجس بهذا النوع من الديكور الشبيه بديكورات ألف ليلة وليلة والمنازل العجائبية؟ ›› لأني عاشق للتحف الأثرية، فعلى مدار سنوات عمري، أجمع هذه التحف وأحتفظ بها في منازلي، مادامت لا توجد في الوطن متاحف مخصصة لهذا الغرض. المنازل والدور السكنية هي كذلك متاحف، وهنا يمكنني أن أشير إلى عدة منازل تحتوي على العديد من التحف، أقصد منازل عائلات بناني، بنكيران، التمسماني، التزي وغيرها. › هل تقرأ الكتب؟ ››نعم أحاول فعل ذلك، بين الفينة والأخرى. › ماذا إذن تقرأ من كتب؟ ›› أقرأ الأدب الكلاسيكي الفرنسي، علاوة على المقالات والإنتاجات الصحافية، سواء المنشورة في الصحف والمجلات أو المنشورة عبر الأنترنيت، فقد ظهر نوع من الكتابة والكتاب، هو كتاب وكتابة الأنترنت... قرأت العديد من الروايات، ولكني لم أستطع أن أصير كاتبا روائيا، حاولت فعل ذلك لكني لم أستطع...! › عمرك الآن حوالي خمسا وستين سنة، ماهي الخلاصة التي تعلمتها من الحياة؟ ›› الخلاصة التي تعلمتها من الحياة، هي عجزي عن تفسير، لماذا أنا ممنوع في وطني، لماذا لا تتاح لي فرصة الاستمرار في العطاء، أنا لست من الماضي والتاريخ، أنا مازلت حيا وقادرا على العطاء الجمالي، فلماذا أمنع؟ خلاصة تجربة حياتي تقول لي ـ في محاولة للجواب عن السؤال/ اللغز ـ إن هناك مسؤولين ورثناهم عن الجيل السابق، يسيرون عكس توجهات الملك الشاب، وعكس توجهات العهد الجديد، هؤلاء يجب أن ينتزعوا من مناصبهم بـ«البوليس»...!