Tuesday, May 31, 2011

The state of Mawazine


دولة 'موازين'..محاولة في فك الالتباس بين الدولة و'مغرب الثقافات'

دولة 'موازين'..محاولة في فك الالتباس بين الدولة و'مغرب الثقافات' - Hespress

بلال التليدي

Tuesday, May 31, 2011

أحيانا يصعب عليك أن تحلل الظواهر كما هي، لأنك تفتقد المعطيات الكافية التي تعينك على البحث، لكن هذا لا يعفيك من المحاولة والاجتهاد في بناء تصور أولي حول الموضوع لاسيما إذا كان الموضوع به من التعقيد ما يصعب معه التسرع في استنتاج الخلاصات.

لنأخذ نموذج مهرجان "موازين" وجمعية "مغرب الثقافات" التي تنظمه، ولنبدأ أولا بتقديم المعطيات الأولية التي يوفرها لنا موقع الجمعية:

-مهرجان تنظمه جمعية اسمها "مغرب الثقافات"، تأسست في 23 أكتوبر 2001 طبقا لظهير 1958، وهي جمعية غير ربحية، تهدف إلى ضمان تنشيط في مستوى عالي من الاحترافية لجمهور جهة الرباط سلا زمور زعير في العاصمة الرباط.

-مهرجان سنوي يحظى بالرعاية السامية ويقام في شهر ماي ويدعو فنانين وفنانات من مختلف بلدان العالم.

أول ملاحظة نسجلها هو الموقع لا يوفر أي معلومة عن السياق التاريخي لتأسيس الجمعية، ولا الجهات التي كانت وراء تأسيسها، ولا الأهداف التي تروم تحقيقها، فهدف التنشيط الثقافي والفني باستحضار فنانين احترافيين من مستوى عالمي يندرج ضمن خانة الوسائل وليس الأهداف، إذ لا ينفصل التنشيط عن رؤية مؤطرة له، وهو ما لا نجده مبسوطا في موقع الجمعية.

-في ظل شح المعلومات الرسمية الصادرة عن الجمعية نفسها لا نملك في هذه الحالة إلا إحدى ثلاث وسائل:

-تتبع الحوارات والتصريحات التي صدرت مسؤولها الإعلامي.

- تقييم حصيلة المهرجانات في دوراتها التسع الماضية.

-تتبع كيفية حضور المهرجان في الإعلام العمومي.

سنترك جانبا البحث في الوسيلتين الأولى والثانية إلى أن نستكمل عناصر البحث في الموضوع، وسنقتصر على الوسيلة الثالثة، مع طرح فرضية نخضعها للاختبار تقول:" إن حجم حضور المهرجان في الإعلام العمومي يحدد طبيعة هذا المهرجان والجهة القائمة عليه وأهدافه غير المعلنة".

لنبدأ المحاولة ونسجل المعطيات التي اطردت في كل دورات المهرجان:

1- في السنوات الماضية كان حضور المهرجان قويا على مستوى الدعاية والإشهار ومتابعة فقراته، وهو الأمر الذي لم يحظ به أي مهرجان آخر.

2- لوحظ في كل دورات المهرجان حضور قوي لأسماء نجوم عالميين يصعب استدعاؤهم دون توفير نفقات جد عالية يستعصي على أي جمعية أن توفرها.

3- لوحظ أن جمعية "مغرب الثقافات" تحظى بإمكانات لوجستية ضخمة لا تملكها أي جمعية في المغرب، وهي تشبه إلى حد كبير إمكانات الدولة عندما تكون بصدد الاحتفال بأحد الأعياد الوطنية.

4- لوحظ أيضا ضخامة الإشهار الذي تعتمده هذه الجمعية وتستعل كل الوسائل المتاحة، مما يتعذر ذلك حتى على بعض قطاعات الدولة.

لنستكمل الملاحظات بالإشارة إلى أربع معطيات جديدة وفرتها عملية الرصد للدورتين الأخيرتين:

1- عدم التجاوب مع الضغط الشعبي في فرض أسماء معينة وخوض التحدي والاستماتة في فرض هذه الأسماء – حالة إلتون جون-

2- حضور ذات التحدي في فرض المهرجان في ظرفية سياسية لها حساسية شديدة رغم الغضب الشعبي الذي أبدته مختلف مكونات المجتمع المغربي – مطالب حركة 20 فبراير-

3- الجاهزية الأمنية التي لم يسبق لها مثيل لدعم هذا المهرجان وإفشال كل تحرك شعبي سواء ذلك الذي يروم المطالبة بإلغائه أو الذي يسعى إلى الاحتجاج عليه أثناء انعقاده.

4- التغطية الإعلامية الكاملة للسهرات المنظمة.

فبحسب التغطية التي وفرتها القناة الثانية لهذا المهرجان ليلة افتتاحه، لوحظت كثافة غير مسبوقة من حيث الإشهار والدعاية لفقرات المهرجان، ولوحظت أيضا صورة لأجهزة الأمن في كامل الجاهزية لدعم المهرجان والتصدي لأي محاولة إرهابية يحتمل أن تتعرض لها إحدى المنصات !.

هذه الملاحظات المطردة منها و الجديدة، تجعلنا أمام حالة من الالتباس يصعب فكها.

لنضع المفارقة الآتية بين يدي التحليل بعد أن نفترض صحة الحجج التي تم استعمالها لتبرير الحضور الأمني الكثيف:

- الدولة تمنع تنظيم مهرجان فني بسبب احتمالات هجمة إرهابية.

- الدولة توفر كل الإمكانات الأمنية لنجاح مهرجان تنظمه جمعية مغربية رغم احتمالها إمكانية تعرض المهرجان لهجمات إرهابية.

منطقيا، وربما الاعتبار الأمني هو أقوى من الاعتبار المنطقي، فإن أي دولة تختار منع هذا المهرجان لتفويت الفرصة على ما يسمون ب"الإرهابيين المحتملين". لكن نحن أمام صورة أخرى مناقضة للمنطق، ومناقضة للاعتبار الأمني الذي يفترض دائما الأسوأ ويرجح خيار المنع للحفاظ على الأمن. في الصورة التي نحن أمامها، تضع الدولة كل إمكاناتها من أجل إنجاح هذا المهرجان؟

لنبدأ في تركيب الملاحظات في نسق تحليلي أولي لعلنا نستطيع فهم هذه المفارقة وفك هذا التناقض:

إن السمة العامة التي يمكن أن نسم بها ظاهرة جمعية "مغرب الثقافات" هي الغموض: غموض في ملابسات التأسيس، وغموض في الجهة المؤسسة، وغموض في الأهداف، وغموض في مصادر التمويل.

لقد سبق أن سجلنا ملاحظات تجتمع كلها في خلاصة واحدة: وهي أن جمعية "مغرب الثقافات" تتوفر على إمكانات لا تعادل إلا إمكانات الدولة من حيث القدرة على التمويل والتنظيم والدعاية والتسويق. فإذا أضفنا إلى هذه الخلاصة، استنتاج آخر توفره لنا ملاحظة تجاوب الدولة مع هذه الجمعية، وذلك على ثلاث مستويات: إعلامي وأمني وسياسي، يمكن أن نركب خلاصة كبرى تعزز فرضية الالتباس بين الدولة والجمعية، فالدولة من خلال القطب الإعلامي العمومي توفر تغطية إعلامية كثيفة وغير مسبوقة لفائدة هذا المهرجان، ومن ثمة الجمعية، والدولة توفر إمكانات أمنية ضخمة لا سبيل لأي جمعية أن تحظى بها إلا أن تكون الدولة نفسها، والدولة رغم الاحتجاجات القوية المطالبة بإلغاء مهرجان موازين، ورغم حساسية الظرف السياسي، تدعم الجمعية سياسيا من خلال فرض هذا المهرجان.

إن هذه المعطيات، وغيرها مما لم تتوفر لنا معطيات دقيقة حوله – مما يتعلق بتدخل الدولة وممارستها لضغوط على الشركات من أجل المساهمة في تمويل هذا المهرجان – لا تترك إلا تفسيرا واحدا هو أن تكون الجمعية وجها آخر من وجوه الدولة تصرف من خلالها استراتيجية ثقافية معينة، وبهذا التفسير يمكن أن نحل الإشكالات والمفارقات التي وضعناها سالفا:

1- فيكون تفسير غموض النشأة وغموض الجهة القائمة على الجمعية وغموض الأهداف الحقيقية طبيعيا بحكم طبيعة الدولة في ممارسة لعبة الخفاء.

2- ويكون الإصرار على رفع التحدي ضدا على الإرادة الشعبية مفهوما ومبررا بالإصرار على إنجاح الاستراتيجية الثقافية الثاوية وراء سياسة المهرجانات.

3- وتكون الإمكانات المالية واللوجستية التي تتوفر عليها هذه الجمعية مفهوما بحكم ما توفره الدولة من وسائل ل"إقناع" أو إجبار الشركات على "التطوع" لصالح هذه الجمعية.

4- ويكون توفير الإمكانات الأمنية، والاحتجاج بذريعة " الهجمات الإرهابية" مفهوما لإعطاء المبرر لتخويف المحتجين ومنع أي محاولة للاحتجاج على على المهرجان.

5- ويكون الحضور الإعلامي الكثيف للمادة الدعائية لهذا المهرجان في الإعلام العمومي مبررا باعتبار ذلك يصب بمعنى من المعاني في إطار ما تعتقده الدولة "أمنا ثقافيا" لها.

بكلمة، قد يمثل هذا التفسير إجابة عن المفارقات والالتباسات التي تطرحها علاقة جمعية "مغرب الثقافات" بالدولة، لكن الخطير في الأمر كله، هو أننا كنا، إلى عهد قريب لم تخف آثاره بعد، أمام نفس المحاولة في الالتباس بين حركة مدنية – حركة لكل الديمقراطيين- بمشروع سياسي وبين الدولة، انتهت في الأخير إلى الإخفاق الشامل، فهل تصر الدولة من جديد على خوص تجربة إخفاقها في الحقل الثقافي والفني بعد أن ثبت لديها فشل نفس التجربة في الحقل السياسي؟

جواب يمكن أن يكون محل نقاش وتحليل قادمين؟