Wednesday, March 21, 2012

ابن كيران يبشّـر بـ 'الجزيرة'.. و'السكتور' مغضوب عليه في الجزائر!



الطاهر الطويل
2012-03-20


اختار رئيس الحكومة المغربي عبد الإله بنكيران صحيفة جزائرية، ليزف من خلالها خبرا لكل المغاربة، يتعلق بقرب عودة 'الجزيرة' إلى المغرب، حيث أوضح المسؤول المذكور أن هذه القناة القطرية ستعيد فتح مكتبها بالرباط.
مرت إذن، سحابة سوء التفاهم التي غممت سماء البلدين لمدة قاربت العامين، والتي كان فيها كل طرف يؤاخذ الآخر على الشنآن الموجود: 'الجزيرة' تعاتب المغرب على ما تعتبره مضايقة لعمل فريقها، والمغرب يعاتب 'الجزيرة' على ما يعتبره تعاملا غير مهني مع بعض قضاياه الوطنية، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية.
لا مكان اليوم لأي عتاب في ظل التقارب الحاصل بين القناة القطرية وحكومة الإسلاميين، لاسيما وأن تلك القناة ـ كما يصفها بعض 'المغرضين' ـ أقرب ما تكون إلى 'الناطق الرسمي باسم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين'. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل ستُجامل 'الجزيرة' حكومة عبد الإله بنكيران وترمي عليها الورد من كل حدب وصوب؟ أم أنها ستتعامل معها تعاملا مهنيا وموضوعياً يستحضر شعار 'الرأي والرأي الآخر' الذي تردده القناة نفسها؟ وهل سيمارس صحافيو 'الجزيرة' ـ القادمون قريباً إلى المغرب ـ مهامهم بكل حرية ومسؤولية في الآن نفسه، ويجدون مصادر الخبر ميسرة لهم لدى المسؤولين المغاربة؟ أم أن العكس هو الذي سيحصل؟
نحن المغاربة، شأننا في ذلك شأن ملايين العرب، متعطشون لـ'الجزيرة'، وعلاقتنا بها أقرب ما تكون إلى 'الإدمان'؛ خصوصاً وأن قنواتنا المحلية لا تشفي الغليل، ولا تلبي حاجتنا إلى إعلام يقدّم الخبر في حينه ـ بأقصى قدر ممكن من الصدق والموضوعية ـ ويفصل في جميع حيثياته من خلال تقارير وشهادات وحوارات متعددة.
على كل حال، مرحبا بـ'الجزيرة'، فلعلها توقظ بعض الغيرة في نفوس القائمين على التلفزيونات المغربية، فيحاولون استرجاع ثقة المشاهد الذي يعدّ أذكى من اختياراتهم البرامجية المتهالكة!

الحملة على 'السكتور': إساءة أم غيرة؟

من الجزائر الشقيقة كانت انطلاقتنا في هذا المقال، وإليها نعود، حيث يشن العديد من مرتادي المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، هذه الأيام، حملة مكثفة على الكوميدي عبد القادر أرحمان المعروف بـ'السكتور'، وصلت حد التهديد بالإساءة إليه في حال عودته إلى مسقط رأسه 'الغزوات' بالجزائر. وسبب هذه الحملة التي يقف وراءها مواطنون جزائريون، اتهام ابن بلدهم بإهانة الإسلام في قناة تلفزيونية مغربية كانت بثت مشاركة 'السكتور' في مهرجان الضحك بمدينة مراكش.
بالرجوع إلى المقاطع الفكاهية موضوع الاتهام، يلاحظ أن الكوميدي المذكور ينتقد ظاهرة منتشرة في العديد من المساجد، حيث ينسى البعض إطفاء هواتفهم المحمولة، ومن ثم يزعجون باقي المصلين برنات الهواتف التي تتضمن أغاني شعبية.
صحيح أن 'السكتور' بالَغ شيئاً ما، حين قال إنه، عوض أن يقرأ سورة الفاتحة وينطق ببعض العبارات المرتبطة بالصلاة اثناء الركوع والسجود، يجد نفسه ـ دون أن يشعر ـ يردد كلمات إحدى الأغاني الشعبية الصادرة من هاتف المصلي المحاذي له؛ ولكن هذه المبالغة لم تصل لحد الإساءة إلى ركن أساس من أركان الإسلام. إن 'السكتور'، هاهنا، ينتقد سلوك بعض المصلين الذين يسيئون إلى حرمة المساجد وإلى الخشوع المطلوب في الصلاة.
لا مبرر لكل هذه الضجة حول 'السكتور'، اللهم إلا إذا كان وراء ذلك نوع من العتاب أو الغضب على الكوميدي المذكور، كونه صار شبه مقيم في إحدى القنوات المغربية، من غير أن يحط الرحاله في قنوات وطنه الأم الجزائر. والحال أن من يحق لهم الغضب والعتاب هم الكوميديون المغاربة (وعموم الممثلين والممثلات) الذين صار لديهم الظهور عبر الشاشة التلفزيونية المغربية من المستحيلات.

قوانين جديدة للقنوات والإذاعات.. وماذا بعد؟

لا يمكننا سوى أن نحيي المبادرة التي أقدم عليها وزير الإعلام المغربي مصطفى الخلفي، والمتمثلة في إشراك عدد من الفاعلين في المجتمع المدني المغربي في مشاريع إعادة صياغة القوانين التي تحكم الإذاعات والتلفزيونات المغربية.
وكنّا، في 'المركز المغربي للثقافة والفنون العريقة'، من ضمن الهيئات التي استقبلها الوزير الخلفي، حيث طالبنا بضرورة تنصيص القوانين الجديدة على احترام متطلبات الخدمة العمومية في وسائل الإعلام السمعية المرئية المغربية، وفق التوازن المرجو بين الإخبار والتثقيف والتربية والترفيه؛ وتجاوز الوضعية الحالية التي تغلب جانب الترفيه المبتذل على حساب باقي الجوانب التربوية والتوجيهية التي ينبغي أن يضطلع بأدائها الإعلام العمومي. كما دعونا إلى إعطاء الأولوية للإبداع والمبدع المغربي في كل المخططات التلفزيونية؛ مع التنصيص على أهمية توفر صفة الابتكار في برامج قنوات القطب العمومي، ومراعاة خصوصيات المواطن المغربي فيها، والابتعاد عن محاكاة إنتاجات مستوردة من الخارج، تتضمن سياقات سوسيوثقافية مخالفة للسياق المغربي. كما طالبنا بضرورة اعتماد الشفافية وتكافؤ الفرص في صفقات الإنتاج مع الشركات المعنية.
إن المغاربة يتطلعون إلى إعلام عمومي قائد يخدم قضاياهم الوطنية بعقلانية وكفاءة، بشكل يقوّي لدى المواطن شعوره بقيم المواطنة الحقة، ويدافع بذكاء عن صورة المغرب كبلد تحذوه إرادة التطوير والتحديث الحقيقي، مع الاحتفاظ بثوابت الهوية الخلاقة؛ ذلك أن هذه الأدوار التي ينبغي أن يضطلع بها إعلامنا السمعي البصري العمومي تكاد تكون غائبة عن قنواتنا المحلية، التي تركز على عنصر الترفيه فقط، بذريعة 'الجمهور عايز كده'، مع أن الجمهور المغربي لم يُـسْـتَـفْـتَ في اختياراته وانتظاراته من الإعلام الوطني العمومي، بشكل علمي دقيق.
وحين توضع القوانين المتعلقة بالإعلام العمومي أو تُجدَّّد من حيث مضامينها وبنودها، فإن المحك الحقيقي لنجاعتها هو تطبيقها على أرض الواقع. فبمتابعة بسيطة لما يقدم على القنوات الإذاعية والتلفزيونية المغربية، يتضح أن ثمة بونا شاسعا بين القوانين وبين الواقع. صحيح أن في المغرب إطارا إداريا لمراقبة عمل التلفزيونات والإذاعات (يحمل اسم الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري)، ولكن دور هذا الإطار ينحصر غالبا في الجانب التقني، ويبقى جانب الخطاب والمضمون الإعلامي أحد المهام التي ينبغي أن تركّز عليها وزارة الإعلام في مواكبتها الحثيثة لكل مؤسسة إعلامية عمومية على حدة.
أمين عام المركز المغربي للثقافة والفنون العريقة

c